حذّر خبراء غربيون من تداعيات التسرع في التحول الاقتصادي في السعودية، ومن تداعيات ما يسمى بحملة “مكافحة الفساد”، على الاستقرار السياسي في السعودية، وذهب بعضهم، إلى التحذير من حدوث فوضى سياسية في السعودية، وقال باتريك بوبيان رئيس شركة “توتال” النفطية الفرنسية التي تمتلك استثمارات في السعودية، في مؤتمر النفط والمال في لندن، “المشروع يواجه معارضة داخل السعودية، ولا توجد ضمانات لنجاحه”.
وحينما سئل عما إذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إصلاحياً مثل الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف، الذي فقد السلطة عام 1991، قال بويان “تذكّر أن الفوضى عمت روسيا في التسعينيات قبل أن يحدث استقرار”، وذلك في إشارة إلى أن هذا المشروع ربما يُحدث فوضى في السعودية.
وقال رشيد أوراز، الباحث في الاقتصاد السياسي، في تعليق لقناة “دويتشه فيله” الألمانية إن الاعتقالات الأخيرة قد تزرع المخاوف وسط الطبقة الغنية وتدفع رجال الأعمال إلى الهروب من البلاد ومن المنطقة ككل.
وبدأت التداعيات السلبية للاعتقالات تبرز، فالمصرفيون الغربيون في دبي قالوا إن أغنياء السعودية يقومون بنقل ثرواتهم من المنطقة خوفاً من الوقوع في قبضة ما تسميه السلطات بـ”الحرب على الفساد”. ويبيع حاليا عدد من أثرياء البلاد حصصهم الاستثمارية الموجودة في بقية دول الخليج، بينما يُجري بعضهم داخل السعودية محادثات مع البنوك ومديري الأعمال لنقل الأموال خارج البلاد، في وقت وصل فيه التوجس كذلك إلى الأغنياء السعوديين الذين يملكون حسابات في بنوك أوروبية، وطال الخوف كذلك المستثمرين الأجانب، وهو ما يؤكده فيليب دوبا بانتاناس، المحلل الاقتصادي من لندن، لموقع بلومبيرج، حيث قال إن عدداً من المستثمرين الدوليين يُعيدون النظر في رؤيتهم للخليج باعتباره منطقة استقرار للأعمال، فهناك “إدراك متزايد بأن “الحكم الرشيد” في السعودية قد ولى.
وفي الواقع، فإن تجميد أصول رجال الأعمال السعوديين لم يتوقف فقط عند حدود المملكة، بل انتقل إلى حليفتها الإمارات، التي بدأ بنكها المركزي بالتدقيق في حسابات المعتقلين بتهم الفساد كمقدمة لتجميد أموالهم.
وأثبتت التجربة في دول أوروبا الشرقية التي تخلت عن الاشتراكية، أن المحاكمات العشوائية، وما يتلوها من التسرع في عمليات الإصلاح يقود تلقائياً إلى خفض الوظائف المتاحة في القطاع العام حسب مراقبين، كما يقود إلى خفض الدعم الحكومي لفواتير الكهرباء والوقود ومعظم ضروريات الحياة المعيشية، وبالتالي سيقود التسرع في ما يسمى “الإصلاح” إلى ارتفاع نسبة البطالة وزيادة معدلات الفقر في المجتمع. وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي إلى التضخم المفرط “هايبر إنفليشن”.
في بلغاريا مثلاً أدت الإصلاحات السريعة إلى معاناة اجتماعية واقتصادية للمجتمع. وفي المقابل، لم يشعر الشعب البلغاري بفوائد ملموسة من مشروع الإصلاح الاقتصادي، مما أدى إلى ثورة ضد الحكومة. وفي المثال الروسي في التسعينيات، أدت عمليات التخصيص، أي بيع مؤسسات الدولة والتخلص من القطاع العام من أجل بناء اقتصاد حر قائم على القطاع الخاص، إلى بيع شركات رئيسية في النشاط الاقتصادي الروسي إلى حفنة من المقربين للحكم وبمبالغ بخسة. وبالتالي نشأت طبقة ثرية بديلة تابعة للحكام الجدد، على حساب الشعب.
وبالتالي ما يحدث الآن من صدمة في مجتمع الأعمال التجارية، ربما ينتهي إلى بناء طبقة تجارية تابعة لولي العهد، بعد القضاء على طبقة التجار التي بناها الملوك السابقون. وبالتالي، ينتهي مشروع الإصلاح بطبقة جديدة أكثر فساداً من سابقتها، بعد تخريب ما حدث من تقدم في البيئة التجارية والاستثمارية في المملكة السعودية.
البنية الاقتصادية في السعودية لا تزال ضعيفة، والبيئة التجارية تعتمد على الدولة، ولاتزال السعودية تعتمد على النفط في تمويل 90% من إنفاق الميزانية، كما يشكل النفط 80% من الصادرات، وتعاني البلاد من زيادة العجز ونقص الإيرادات، وحتى في حال ارتفاع أسعار النفط إلى 70 دولاراً، فلن يحل مشكلة السعودية..
وتصل نسبة البطالة في السعودية إلى 15%، ويدخل نحو 250 ألف مواطن سوق العمل سنوياً بحثاً عن وظائف، ونحو 40% من النساء الحاصلات على تعليم عال غير عاملات، وهذه عوامل إيجابية في النمو الاقتصادي إذا كانت الدولة تملك خططا سليمة للنمو وخلق فرص للوظائف الجديدة كما يرى عدد من الخبراء الدوليين. لكن الدولة السعودية تقول إنها تريد أن تقلص وظائف القطاع العام وترفع الدعم، وتحطم القطاع الخاص عبر هذه الاعتقالات وتقول إنها ستتمكن من بناء اقتصاد غير نفطي.
وكما يصفها خبراء الاقتصاد، فإن الطبقة التجارية وبيئة الأعمال في السعودية طبقة مصطنعة من قبل الدولة، ولم تنمُ نمواً طبيعياً عبر المنافسة الحرة مثلما هو الحال في الغرب، فمعظم شركاتها واجهات تجارية للأمراء والوزراء، وقد نمت العائلات التجارية في السعودية على العمولات والعقود الحكومية الضخمة التي وفرتها أموال النفط، فالفساد مقنن ومتراكم منذ عقود في البيئة التجارية السعودية، ولا يمكن إصلاحه في عام أو عامين حسب هؤلاء المراقبين.
في هذا الصدد، تقول كيرن اليوت هاوس، الخبيرة في معهد بلفور بجامعة هارفارد الأميركية، في مقال تحليلي عن الاعتقالات السعودية على موقع المعهد، المستثمرون الغربيون غير متأكدين مما إذا كانت هذه الحملة دليلا على التحديث الاقتصادي، أو أنها أوتوقراطية تجارية، كما هو المعتاد في السعودية.. فالقانون في السعودية هو الملك مادام حياً، فإذا تُوفي فإن إرثه ومشروعاته في خطر، ومن هذا المنطلق يشعر المستثمرون الغربيون أن النظام السعودي يحمل المزيد من المخاطر.
ويركز محلل غربي آخر على نقطة مهمة في هذا الاتجاه، وهي أن المستهدفين هم الإقطاعيات الملكية القديمة خارج فرع آل سلمان في الأسرة الحاكمة التي يجري الآن تطهيرها، وعبارة عن مزيد من التركيز للسلطة السياسية والاقتصادية ومصادرة للأصول الخاصة التي راكمتها تلك الاقطاعيات.