واصلت السلع تراجعها على نطاقٍ واسع في بداية شهر مارس، مترافقةً مع أنباء انخفاض الأسعار في الصين والولايات المتحدة باعتبارهما أكثر دولتين استهلاكاً للسلع الأساسية في العالم. كما واجهت أجواء السوق انتكاسة جديدة بعد أن تكبدت شركتا إقراض صغيرتان في الولايات المتحدة خسائراً فادحة، ليسجل بذلك مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أدنى مستوياته على مدى شهرين. وشهد مؤشر بلومبرج للسلع الرئيسية، والذي يقيس أداء العقود الآجلة لمجموعة واسعة من السلع الرئيسية المتنوّعة تشمل الطاقة والمعادن والزراعة، انخفاض التداولات بنسبة 1.7% على أساس شهري و7% على أساس سنوي، حيث سجلت تداولات الطاقة والمعادن الصناعية أكبر الخسائر خلال الشهر الجاري.
وشهد الزخم المتوقع لانتعاش الطلب في الصين انتكاسة ملموسة بعد إعلان الحكومة عن تحديد هدف نمو محافظ يبلغ 5% لعام 2023، والذي يمثل أحد أدنى أهداف النمو الصينية منذ عشرات السنوات. وترافقت هذه الانتكاسة مع زيادة طفيفة في الدعم النقدي، مما أدى إلى تراجع التوقعات حول إمكانية طرح محفّزات إضافية لتسريع الإنتعاش الاقتصادي. ويرى ساكسو بنك أن سياسة الحكومة الصينية الحذرة تُعزى جزئياً إلى رغبتها بتجنب الوقوع في الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات والمصارف المركزية الأخرى، والتي أسهمت في وصول التضخم لأعلى مستوياته على مدى أربعة عقود. ويعاني المستهلكون، ضمن هذا السياق، من آثار لجوء المصارف المركزية بشكل متزايد لرفع أسعار الفائدة من أجل السيطرة على التضخم.
وبدوره أكد جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفدرالي، تشديد الإجراءات اللازمة للحد من التضخم خلال زيارته نصف السنوية التي تستمر ليومين إلى مبنى الكابيتول هيل، حيث أطلع المشرعين الأمريكيين على استعداده لزيادة وتيرة إجراءات رفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير متوقعة، وذلك في حال واصلت البيانات الواردة إظهار مستويات نمو قوية. واستجابت سوق المبادلة لتصريحات باول من خلال رفع توقعات أسعار الفائدة النهائية من 4.75% إلى 5.66% في مطلع فبراير، لتسهم بعدها تقلبات الأسهم المصرفية في البورصة يوم الخميس بإعادة ذروة سعر الفائدة إلى أقل من 5.5%.
وشارك باول، بعد إلقاء كلمته، في جلسة حوارية يوم الثلاثاء تناقش فيها مع السناتور الديمقراطية إليزابيت وارن، وبحثا في المخاطر التي قد تتكبدها اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة في حال أدى استمرار رفع أسعار الفائدة إلى حدوث كارثة غير متوقعة. ووجهت وارن سؤالاً إلى باول حول موقفه أمام مليوني شخص من المحتمل أن يخسروا وظائفهم في حال واصل رفع أسعار الفائدة، ليجيب باول قائلاً: «وهل من الأفضل إذاً ألا نحرك ساكنين ونترك مستويات التضخم مرتفعةً عند 5%-6%؟»
ويؤكد تصريح باول استمرار توجه اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة بالاعتماد على البيانات الواردة، ومواصلة رفع أسعار الفائدة بالرغم من مخاطرها الواضحة على الآفاق الاقتصادية، إلى جانب المخاطر الثانوية المترافقة مع حصول أحداث ممنهجة تهيمن على آفاق السوق. ويواصل ساكسو بنك مراقبة حركة الدولار عن كثب، نظراً لعلاقته العكسية مع السلع الأساسية (لا سيما الذهب)، إلى جانب أسعار السوق ومخاطر الركود ونطاق انخفاض أسعار الفائدة النهائي. ويراقب ساكسو بنك هذه الجوانب بناءً على توقعات الاحتياطي الفدرالي النهائية، إضافةً إلى حجم عمليات تخفيض أسعار الفائدة وسرعة وتيرتها حال تحديد السعر النهائي، والمتوقع الوصول إليه خلال شهر سبتمبر من العام الجاري.
واستمر انخفاض زخم العلاقات التجارية المرتبط بإعادة افتتاح الاقتصاد الصيني، بعد أن شهد اندفاعاً كبيراً مطلع العام الجاري، متأثراً بشكلٍ خاص بهدف النمو المنخفض الذي أعلنت عنه الحكومة. ومع ذلك، ما يزال الوقت مبكراً على صرف النظر عن الصين باعتبارها عاملاً رئيسياً في نمو الطلب على السلع الأساسية، حيث يتطلب افتتاح الاقتصاد شهوراً عديدة للكشف عن تأثيره الفعلي والمساهمة في دعم الأسعار. ويميل المنتجون إلى الاستجابة لهذه التغييرات بشكل أسرع، من خلال زيادة العرض استعداداً لارتفاع الطلب، وشهدت الصين هذا التوجه في فبراير، حيث ارتفعت مخزونات النحاس الخاضعة لمراقبة البورصة قبل ارتفاع الطلب عليها.
النفط الخام يشهد حالة من الاستقرار رغم ازدياد التحديات التي يواجهها
سجل سوق النفط الخام أداءً مستقراً، واستفاد من ارتفاع الطلب في آسيا لصرف النظر عن المؤشرات السلبية في مناطق أخرى، ولا سيما في الولايات المتحدة التي أكد فيها رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، خلال زيارته إلى مبنى الكابيتول هيل الأسبوع الماضي، استعداده لمواصلة اتخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على التضخم، حتى لو أدى ذلك إلى حصول ركود اقتصادي. وتشير البيانات إلى انتعاش الطلب بقوة إثر إعادة افتتاح الاقتصاد الصيني، غير أن الحكومة الصينية قابلت ذلك بتحديد أدنى هدف للنمو منذ عقود، في حين أسهمت المخاوف من حصول أزمة مصارف -رغم صغرها- بالحد من إقبال المستثمرين على المخاطر.
ولم تستطع هذه التطورات السلبية في الأسعار، التأثير على سوق النفط الخام وخفض أسعاره إلى ما دون مستوياتها المستقرة منذ نوفمبر من العام الماضي. ومن المحتمل ألا يتأثر تركيز الاقتصاد الكلي على المدى القريب بأي تطورات في سوق النفط، إلا في حال أثّرت الأخيرة بشكلٍ ملموس على التوازن السائد بين العرض والطلب. وقد يواجه خام برنت مزيداً من الضعف على المدى القريب، بعد أن خرج من اتجاهه التصاعدي المصغّر ضمن النطاق السعري السائد. ويعود هذه الضعف المتوقع إلى قيام الصناديق بتصفية مطولة بعد زيادة صافي عقود الشراء المجمّعة خلال الأسابيع الأخيرة، لتسجل أعلى مستوياتها في 15 شهراً عند 286 ألف لوت أو 286 مليون برميل. من جانبها، واصلت إجمالي عمليات البيع تراجعها لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ 12 عاماً عند 22 ألف لوت في الأسبوع المنتهي في 29 فبراير.
- الذهب يتحسن بعد حصوله على الدعم
تعثر الذهب والفضة منتصف الأسبوع الماضي بالتزامن مع تصريح رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، خلال كلمته أمام الكونجرس، عن استعداد الاحتياطي الفدرالي لزيادة وتيرة إجراءات رفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير متوقعة، في حال واصلت البيانات الواردة إظهار مستويات نمو قوية. ولم يستطع الذهب كسر عتبة المقاومة عند 1864 دولاراً للأونصة، فتراجع قبل أن يحصل على الدعم مرة أخرى عند 1800 دولار. وبدورها، واصلت أسعار الفضة تراجعها على مدار الأسبوع، لتسجل أخفض معدلاتها على مدى أربعة أشهر وتعاود الارتفاع بقيمة 20 دولار بعد تحفيز الإقبال على الشراء بعض الشيء. وأسهم استمرار الضعف النسبي المسجل منذ آواخر ديسمبر من العام الماضي، في ارتفاع نسبة أسعار الذهب إلى الفضة من 75 (أونصة من الفضة مقابل أونصة واحدة من الذهب) إلى أعلى معدل لها على مدى ستة أشهر عند 91 أونصة، مما يمثل تراجعاً في الأداء بنسبة 21% ويؤكد صعوبة تحفيز طلب جديد على الفضة على المدى القريب.
ونظراً لتأكيد باول اعتماد الاحتياطي الفدرالي على البيانات بشكلٍ كبير، أصبح التركيز الآن على المدى القريب موجهاً نحو البيانات الأمريكية الواردة، وفي مقدمتها تقرير العمل الصادر يوم الجمعة والذي أسهم في تخفيف الضغط عن الاحتياطي الفدرالي وتمكينه من زيادة حجم عملية رفع أسعار الفائدة التالية، والمقرر الإعلان عنها يوم 22 مارس. وقد تؤدي أي مواطن ضعف في البيانات الواردة إلى ردة فعل إيجابية أقوى من المعدلات المتوقعة، وذلك في ضوء ارتفاع توقعات الأسعار التي يتم تسعيرها حالياً حيال عملية رفع أسعار الفائدة المرتقبة.
ويراقب ساكسو بنك مدة ذروة أسعار الفائدة عن كثب، ومدى شدة عمليات التسعير خلال فترات خفض الأسعار اللاحقة. ويبيّن الرسم البياني أعلاه تسعير ذروة أسعار الفائدة في يوليو عند 5.34%، مقارنةً مع الذروة المسجلة خلال الأسبوع الماضي عند 5.70%. وبدورها تسارعت وتيرة عمليات خفض الأسعار اللاحقة للذروة لتصل إلى 125 نقطة أساس خلال الأشهر الـ 12 القادمة. وينعكس ذلك إيجاباً على آفاق الذهب، الذي أظهر على مدى تاريخه أداءً قوياً في الأشهر التالية لذروة أسعار الفائدة من الاحتياطي الفدرالي، علماً أن هذه الذروات غالباً ما تترافق مع تراجع أداء الدولار وانخفاض عائدات السندات.
تقرير وزارة الزراعة الأمريكية الشهري لتقديرات العرض والطلب يفرض ضغوطاً إضافية على العقود الآجلة للقمح والذرة
واصلت عقود الشراء الآجلة للذرة والقمح تراجعها في بورصة شيكاغو خلال الأسبوع الجاري، متأثرةً بتقرير وزارة الزراعة الأمريكية حول العرض والطلب، الذي أكد ارتفاع المخزونات المحلية إلى معدلات غير متوقعة نتيجة انخفاض التصدير. وكشف التقرير تحسّن آفاق صادرات الذرة الأوكرانية، في حين ما تزال صادرات القمح تعاني من ضغط المبيعات الروسية وتوقعات بتمديد اتفاقية ممر تصدير القمح الأوكراني، لتسجل أدنى مستوياتها منذ شهرين بعد أن رفعت الوزارة تقديرات الإنتاج لدول كازاخستان وأستراليا والهند. ومن جانبها، حصل فول الصويا على الدعم بعد أن خفضت وزارة الزراعة الأمريكية توقعات الإنتاج للأرجنتين إلى مستويات غير متوقعة نظراً للجفاف. ومن المتوقع أن تحصد الأرجنتين، التي تعتبر أكبر مصدّر في العالم لزيت الصويا وطحين الصويا، حوالي 33 مليون طن من الصويا فقط هذا العام، والذي يمثّل أقل محصول للدولة منذ عام 2011 وأدنى بنسبة 20% من تقديرات الوزارة لشهر فبراير.
وما تزال جميع العقود الآجلة الرئيسية للقمح في شيكاغو وباريس تعاني من الضغوط، كما وصلت إلى ذروة تداولاتها بحسب مؤشرات القوة ذات الصلة. ويتناقض التوجه الراهن في حركة السعر بوضوح مع موجة الشراء القوية في الفترة نفسها من العام الماضي، والتي ترافقت مع الغزو الروسي لأوكرانيا التي تعتبر مورداً رئيسياً للقمح الغني بالبروتين والصالح للاستهلاك البشري. وسجل القمح أعلى سعر له عند 12.85 دولار للبوشل يوم 9 مارس، ليتراجع بعدها إلى النصف ويستقر حالياً عند 6.66 دولار للبوشل.