دبي – الإمارات
توقع صندوق النقد الدولي استمرار النمو المطرد في البلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعدل 4ر2% مصحوباً بمعدل تضخم منخفض خلال العام الجاري رغم التراجع الحاد في أسعار النفط، وتواجه معظم هذه البلدان خسائر كبيرة في إيراداتها النفطية، ومن المتوقع أن تستخدم الاحتياطيات المالية المتراكمة وموارد التمويل المتاحة لتخفيف وطأة انخفاض الإيرادات على النمو بينما تعمل على إبطاء إنفاقها من المالية العامة بالتدريج، حتى تتمكن من تقاسم ثروة النفط التي تراجعت على أساس المساواة مع الأجيال القادمة وإعادة بناء الاحتياطيات الوقائية التي تساهم في التكيف مع تقلب أسعار النفط.
وقال الصندوق في تقرير “مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي” حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان الذي صدر الشهر الجاري إن أسعار النفط هبطت خلال الفترة من يوليو 2014 ـ إبريل 2015 بنسبة 50%، ويتوقع أن يبلغ متوسط سعر البرميل 58 دولاراً خلال هذا العام قبل أن يرتفع تدريجياً إلى 74 دولاراً للبرميل بحلول 2020، وذلك كرد فعل لتراجع الاستثمارات في قطاع النفط وانخفاض نمو الإنتاج وزيادة الطلب على النفط في ظل اكتساب التعافي العالمي قوة أكبر، والأهم من ذلك، أنه من المتوقع استمرار جانب كبير من هذا الانخفاض في الأسعار على المدى المتوسطـ فقد تم تخفيض توقعات السوق على المدى المتوسط بنحو 20% منذ أكتوبر المنصرم.
وأشار الصندوق إلى أن النمو في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان وصل إلى 4ر2% في 2014، أي أعلى بدرجة طفيفة من عام 2013، وهو ما يرجع بصفة أساسية إلى التعافي في إيران ونمو الأنشطة المرتبطة بالنفط في المملكة العربية السعودية، ويُتوقع أن يظل النمو دون تغير في 2015، قبل أن يرتفع إلى 5ر3% في 2016 مع تسارع وتيرة نمو القطاع النفطي في كل من العراق وليبيا، ورغم أن تراجع أسعار النفط مؤخراً أدى إلى الحد من قدرة الحكومات على الإنفاق، التي كانت بمثابة المحرك للاقتصاد غير النفطي في السنوات الأخيرة، فسوف تستخدم الاحتياطيات المالية الوقائية المتراكمة، حال توافرها، في التخفيف من حدة هذا الأثر على النحو الملائم، مع إجراء التصحيح اللازم لأوضاع المالية العامة بالتدريج على المدى المتوسط، ونتيجة لذلك، سيكون النمو مستقراً هذا العام، وان كان أقل بمقدار 5ر1 نقطة مئوية مما كان متوقعاً في أكتوبر الماضي.
وأكد صندوق النقد الدولي أن التنبؤات في دول مجلس التعاون تشير إلى بلوغ معدل النمو 4ر3% خلال العام الجاري، حيث تم تخفيضها بنقطة مئوية واحدة عن تنبؤات أكتوبر الماضي، مما يرجع بصفة رئيسية إلى تباطؤ النمو غير النفطي كرد فعل لانخفاض أسعار النفط.
تراجع الضغوط التضخمية
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن التضخم في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان سيظل دون تغير يُذكر في 2015، وفي مجلس التعاون الخليجي، توقع الصندوق تراجع التضخم بنصف نقطة مئوية أي أنه سيزيد قليلاً عن 2% بفضل تزايد قوة عملاتها “المربوطة بالدولار الأميركي الذي ارتفعت قيمته”وتراجع أسعار الغذاء، ولا يُرَجَّح أن يُحْدِث انخفاض أسعار النفط تأثيراً ملموساً في التضخم، لأن معظم البلدان تستخدم أسعاراً موجهة إدارياً لمنتجات الوقود، أما في البلدان التي تعتمد نظم أسعار الصرف المدارة “الجزائر وإيران”، ربما أدى انخفاض سعر العملة إلى زيادة الضغوط التضخمية، في حين أنه سيدعم الصادرات غير النفطية.
مخاطر ذات جانبين
وقال الصندوق: ازدادت أجواء عدم اليقين المحيطة بالتوقعات، وبرغم أن معظم المخاطر هي مخاطر ذات جانبين، فلا تزال مخاطر التطورات السلبية هي الغالبة، ويشير فرط العرض في سوق النفط العالمي إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي قد تواجه تحديات في الحفاظ على حصتها في السوق، مع احتمال نشأة ضغوط خافضة لإنتاج النفط، ويحتمل تباطؤ الإنفاق الحكومي ومن ثم النشاط غير النفطي على نحو يفوق المتوقع، ومع هذا، فإن تعافي أسعار النفط بوتيرة أسرع من المتوقع سيدعم الإنفاق الحكومي والنمو غير النفطي، وبوجه عام، فقد ازدادت مخاطر تقلب أسعار النفط، على الأقل على المدى القصير، بسبب تعقد التفاعل بين إنتاج النفط التقليدي والنفط الصخري والمخاطر السياسية الجغرافية.
وتزداد المخاطر بفعل الصراعات والتوترات الجغرافية ـ السياسية، فقد يرتفع الإنتاج النفطي أو ينخفض على نحو يثير الدهشة في البلدان المتأثرة بالصراعات “ليبيا والعراق”، وعقب التصريحات بتوصل الدول الكبرى وإيران إلى إبريل الماضي اتفاق حول برنامج إيران النووي ازدادت احتمالات حدوث تطورات إيجابية على مستوى إنتاج النفط وصادراته.
ويُتوقع أن تؤدي عودة السياسة النقدية للولايات المتحدة إلى طبيعتها إلى تشدد الأوضاع المالية والنقدية في المنطقة، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، برغم أن انتقال آثارها سيكون في الغالب بطيئاً وجزئيا.
فوائض الحسابات الخارجية
وفي ظل فرضيات أسعار النفط الحالية، سوف تنخفض إيرادات صادرات النفط المتوقعة في 2015 بمبلغ قدره 287 مليار دولار “21% من إجمالي الناتج المحلي” في دول مجلس التعاون الخليجي و90 مليار دولار “11% من إجمالي الناتج المحلي” في البلدان غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وسوف يؤدي تراجع أسعار النفط إلى تحول فائض الحساب الجاري منذ فترة طويلة في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان إلى عجز يبلغ 22 مليار دولار “1% من إجمالي الناتج المحلي” خلال هذا العام.
ويُتوقع العودة إلى تسجيل فوائض في الحساب الجاري تدريجياً على المدى المتوسط، لتبلغ 25ر3% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2020، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، والضبط المتوقع لأوضاع المالية العامة.
كذلك تتأثر أرصدة المالية العامة تأثراً شديداً بانخفاض أسعار النفط، وفي مجلس التعاون الخليجي، تشير التوقعات إلى تحول مجموع الفوائض في موازنات البلدان الذي بلغ 76 مليار دولار في 2014 “5ر4% من إجمالي الناتج المحلي” إلى عجز مقداره 113 مليار دولار “8% من إجمالي الناتج المجلي” خلال العام الجاري، قبل أن يتراجع على المدى المتوسط إلى 1% من إجمالي الناتج المحلي.
أما البلدان غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي فقد سجلت عجزاً في المالية العامة بالفعل في 2014 “75ر4% من إجمالي الناتج المحلي”، ويُتوقع أن يرتفع هذا العجز إلى 9% من إجمالي الناتج المحلي في 2015، قبل أن يستقر في مستوى 5ر2% من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط.
ونتيجة للارتفاع الحاد في الإنفاق على مدى السنوات الأخيرة ازداد تعرض الموازنات لمخاطر انخفاض أسعار النفط، ولا تستطيع معظم بلدان المنطقة أن تحقق التوازن في موازناتها عندما تقترب أسعار النفط من 60 دولاراً للبرميل ومن شأن حدوث تراجع دائم في أسعار النفط أن يخفض الدخل الحقيقي للبلدان المصدرة للنفط مما يتطلب الإسراع بتطبيق خطط لضبط أوضاع المالية العامة، ويُتوقع تحسن أرصدة المالية العامة غير النفطية بمقدار 5ر2 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في 2015، بدفع من التطورات في السلطنة والكويت والعراق وليبيا، وفي مجلس التعاون الخليجي، تسمح الاحتياطيات الوقائية الكبيرة وموارد التمويل المتوافرة بتصحيح الأوضاع على نحو تدريجي.
أوضاع البنوك سليمة
وتوقع صندوق النقد الدولي أن تظل أوضاع بنوك دول مجلس التعاون الخليجي سليمة برغم التراجع الحاد في أسعار النفط وبطء نمو القروض، نظراً لقوة مراكزها المالية، وسوف يدعمها كذلك استمرار الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية ـ وإن كانت بوتيرة أبطأ ـ مما يدفع نحو ارتفاع النمو غير النفطي والائتمان المصرفي والربحية، وقد تشتد الضغوط على السيولة مع تراجع الودائع المصرفية المرتبطة بالنفط، وقد تزداد القروض المتعثرة، غير أن البنوك في وضع جيد يؤهلها لاستيعاب الصدمات.