الدوحة – قطر
نظم مجلس الشورى بدولة قطر أمس ندوة “مسيرة التكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي: الإنجازات والتحديات” تنفيذا لرؤية أصحاب السعادة والمعالي رؤساء المجالس التشريعية بدول الخليج العربية في بحث القضايا التي تلامس هموم المواطن الخليجي.
حاضر في الندوة التي أقيمت تحت رعاية سعادة السيد محمد بن مبارك الخليفي رئيس مجلس الشورى، الدكتور خالد شمس محمد العبدالقادر الاستاذ المشارك والعميد المساعد لكلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر.. وبدأت بكلمة للسيد محمد بن عبدالله السليطي عضو ومراقب مجلس الشورى القطري ورئيس الندوة رحب فيها بالحضور متمنيا لهم طيب الإقامة وأوضح أن الغاية التي تعقد هذه الندوة من أجلها غاية سامية وركيزة هامة وجوهرية لتحقيق التضامن وتعزيز العمل الخليجي المشترك والذي هو بمثابة العمود الفقري والقوة الدافعة لما يواكب تحديات هذه المرحلة وييسر سبل التنسيق والتعاون ومن ثم تحقيق المصالح الاقتصادية.
وأضاف بأن مسيرة التكامل الاقتصادي بدأت بالعديد من الخطوات وحتى تصل الى درجة التكامل لابد من تضافر الجهود والعمل بروح الاخوة والمحبة من أجل رفعة ورفاهية وتقدم الأوطان والشعوب.
وعبر السليطي عن أمله في أن تُشكل هذه الندوة إضافة متميزة إلى ما سبقها من خطوات دؤوبة وإنجازات متعددة في مسيرة الاجتماعات الدورية لأصحاب المعالي والسعادة رؤساء المجالس التشريعية الخليجية في إطار منظومة مجلس التعاون تعزيزاً للعمل الخليجي المشترك وبما يعود بالنفع والخير على البلدان والشعوب ويواكب تطلعاتها نحو المزيد من التكامل على الأصعدة كافة.
من جانبه صرح سعادة السيد فهد بن مبارك الخيارين سكرتير عام مجلس الشورى القطري على هامش الندوة بأن هذا اللقاء جاء تلبية لرؤية أصحاب السعادة والمعالي رؤساء المجالس الخليجية بأن يكون في كل اجتماع موضوع يلامس هموم المواطن الخليجي حيث طلبوا من كل الأمانات العامة للمجالس الخليجية التقدم بثلاثة موضوعات لاختيار أحدها لمناقشته وتقدمت هذه المجالس بمواضيع عدة وتم الاستقرار على اختيار موضوع هذه الندوة والذي تقدمت به دولة قطر وهو موضوع التقارب الاقتصادي.
وأضاف بأنه سيتم الخروج من هذه الندوة بتوصيات وأوراق عمل ترفع إلى أصحاب السعادة والمعالي رؤساء المجالس الخليجية في اجتماع الرياض المزمع عقده في شهر نوفمبر المقبل بالعاصمة السعودية الرياض والذين سيقومون برفع هذه التوصيات إلى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لاتخاذ ما يرونه مناسبا، مشيرا إلى أن السادة رؤساء المجالس الخليجية قرروا أن يكون لكل موضوع جلسة واحدة ينظر فيه وتقدم أوراق العمل وتتخذ التوصيات المناسبة حياله.
وفي سياق ذي صلة أوضح السيد أحمد لاري رئيس وفد مجلس الأمة الكويتي المشارك في الندوة من خلال مداخلة له أهمية اطلاع أعضاء المجالس النيابية الخليجية على تفاصيل الإجراءات التي تتخذها الحكومات والمشاركة في صنع القرار باعتبارهم يمثلون الشعوب وهم الأقرب إلى الناس، مشيرا إلى أن المشاركة في هذه الندوة خطوة على طريق المشاركة في إنجاز القرارات الاقتصادية الداعمة للتعاون الخليجي موجها الشكر لقادة دول المجلس على جهودهم لتحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي.
من جانبه تحدث السيد راشد المعضادي عضو مجلس الشورى القطري عن أهمية التطرق إلى معوقات التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، لافتا إلى أن المعرفة بهذه المعوقات تسهم في بناء التصورات لتلافيها مستقبلا كما يساهم في وضع الحلول المناسبة لكل قضايانا.
وأوضح أن التكامل الاقتصادي يحقق التكامل السياسي بين الدول ويعمل على تقويته أكثر مما هو عليه الآن داعيا إلى ضرورة التكامل بين السلطات التشريعية والسياسية للوصول إلى أفضل النتائج.
من ناحيته أشاد السيد سالم العامري ممثل دولة الإمارات العربية المتحدة في الندوة بما قامت به الحكومات الخليجية من جهود سابقة لدعم مسيرة التعاون الخليجي، معربا عن أمله بأن تكون هناك خطوات أكثر تقدما في مسيرة العمل الخليجي المشترك، لافتا لأهمية التركيز على النقاط التي لم يتم تفعيلها حتى الآن وتستهدف تحقيق التكامل الخليجي.
وبدوره أوضح السيد جاسم العلوي ممثل الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن الوصول للاتحاد الجمركي يتطلب توحيد الإجراءات الجمركية وتعديل القوانين في كل الدول الأعضاء، مؤكدا أن الاتحاد الجمركي يسير في الاتجاه الصحيح وبشكل متسارع.
من ناحيته أوضح علي المحروقي ممثل وفد سلطنة عمان وجود شكوى من المواطنين الخليجيين من مسألة الازدواج الضريبي واختلاف التعريفات الجمركية بين الدول الأعضاء، مشددا على أهمية تسليط الضوء على أوجه القصور والعوائق في تطبيق ما يتم اتخاذه من قرارات حتى نصل إلى ما تتطلع إليه شعوبنا الخليجية.
وفي السياق ذاته أوضح الدكتور فهد العنزي ممثل المملكة العربية السعودية أن هناك أدوات لم يتم اتخاذها حتى الآن لتحقيق التكامل الخليجي وأن هناك أمورا أخرى ينبغي تنفيذها أو تعديلها لتحقيق هذا التكامل مع وضع الظروف الخليجية والطبيعة الاجتماعية له في الحسبان.
وأكد الدكتور خالد شمس محمد العبدالقادر الأستاذ المشارك والعميد المساعد لكلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر خلال عرضه لمسيرة مجلس التعاون الخليجي أنه مر بمحطات صعبة منذ التأسيس، إلا أنه لم يحدث أبدا أن ألغيت أو توقفت مسيرة التكامل الاقتصادي.
وقال: بدأت دول المجلس بمنطقة التجارة الحرة في 1983 ثم إنشاء الاتحاد الجمركي سنة 2003. وبنجاح تلك المرحلة دخل مجلس التعاون في مرحلة مهمة أخرى وهي إنشاء السوق الخليجية المشتركة سنة 2008. وبقيت في مسيرة التكامل الاقتصادي اهم خطوة وهي: إصدار العملة النقدية الخليجية الموحدة. وكان من المفترض أن تصدر العملة في 2010 إلا أن الظروف الاقتصادية لم تكن مواتية بشكل يحقق المصلحة الكاملة لكل دول المجلس.
وأكد العميد المساعد بكلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر أن إطلاق العملة الخليجية أصبح ضرورة مهمة حتى لو اقتصر على الدول الجاهزة للدخول في الاتحاد النقدي، ومن ثم تدخل الدول الاخرى في الاتحاد النقدي الخليجي لاحقا ليتعامل العالم مع كيان اقتصادي واحد له عملة واحدة، موضحا أن حجم اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعا سنة 2013 جاء في الترتيب الثاني عشر ضمن أكبر اقتصادات العالم، بالنظر إلى الناتج المحلي الاجمالي لدول المجلس والذي وصل الى مستوى 1.62 ترليون دولار. كما ان مجلس التعاون يمثل خامس أهم اقتصاد من حيث حجم التبادل التجاري مع العالم، حيث وصل حجم التجارة الخارجية لدول المجلس في عام 2013 مستوى 1.42 ترليون دولار. وعلى صعيد الصادرات الى العالم، سجل مجمل صادرات المجلس مبلغ 921 مليار دولار عام 2013، وبذلك يكون مجلس التعاون رابع اكبر مصدر الى العالم بعد الصين ثم الولايات المتحدة والمانيا. وهذه الصادرات معظمها صادرات خام النفط والغاز ومشتقاتهما ومنتجاتهما المصنعة كالبتروكيماوت والاسمدة وغيرها.
وأوضح أن واردات المجلس من العالم وضعت دول المجلس في الترتيب العاشر عالميا من حيث اكبر المستوردين من العالم، حيث وصلت واردات المجلس إلى مستوى 514 مليار دولا في نفس العام.
وتحدث الدكتور العبد القادر عن الملامح المهيئة للتكامل الاقتصادي الخليجي ومنها التشابه الاجتماعي في العادات والتقاليد واللغة، والتشابه الاقتصادي في الموارد والانتاج والبيئة والقرب الجغرافي، وكذلك التشابه السياسي. مشيدا بسياسة دول المجلس في إعطاء الاولوية لاستيراد احتياجاتها من الطاقة من داخل دول المجلس.
واستعرض المحاضر مشروع التكامل الاقتصادي الذي تم وضعه في بدايات تأسيس مجلس التعاون، ثم استحدثت نسخة جديدة من الاتفاقية الاقتصادية وأقرها قادة دول المجلس في قمة مسقط في ديسمبر سنة 2001. وركزت الاتفاقية على بنود مطورة لتواكب بشكل أفضل المتغيرات الاقتصادية المحلية والدولية، ولتعزز العمل الخليجي المشترك فيما يتعلق بإنشاء الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي.
وأضاف بأنه تم الاتفاق على البدء الفعلي للاتحاد الجمركي اعتبارا من يناير 2003، واقامة قاعدة معلومات وربط آلي جمركي بين إدارات الجمارك لدول المجلس لتيسير متابعة ما يتعلق بالاتحاد الجمركي وحركة البضائع ومع نهاية عام 2008، استطاعت دول المجلس ان تنهي ما تطلبته مرحلة الاتحاد الجمركي بنجاح من خلال التنسيق والإجراءات وتوحيد القوانين الخاصة بالجمارك والمواصفات القياسية للسلع وإقامة السوق الخليجية المشتركة.
ونوه بأنه منذ عام 2000 قرر المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بدء جهود التنسيق نحو الاتجاه للوحدة النقدية بوضع برنامج زمني يتضمن اعتماد الدولار الأمريكي كمثبت مشترك لعملات الدول الأعضاء تمهيدا للوصول إلى العملة الخليجية الموحدة، على أن تصدر هذه العملة بحلول عام 2010. وابتداء من 2002 قررت دول المجلس القيام بربط عملاتها بشكل رسمي مع الدولار.
وأوضح: على غرار دول الاتحاد الأوروبي، وضعت دول الخليج عدة معايير اقتصادية للتقارب الاقتصادي من أجل الدخول في مرحلة الوحدة النقدية. وركزت معايير التقارب على تحديد مستويات لمؤشرات اقتصادية تلتزم بها كل دولة في المجلس.. كما تم الاتفاق في عام 2005 على إنشاء مجلس نقد خليجي ليتحول لاحقا إلى بنك مركزي خليجي. لكن لم تكن مسيرة الاتحاد النقدي سهلة، وإنما مرت بعدد من الأحداث أخرت طموح الخليجيين في رؤية عملتهم الموحدة.
وأكد العبد القادر أن إنشاء الاتحاد الجمركي وتفعيل السوق الخليجية المشتركة والجهود نحو تحقيق الوحدة النقدية يعد في حد ذاته إنجازا لمجلس التعاون.
واستعرض العبد القادر ما تم على صعيد التعاون الاقتصادي لمجلس لتعاون ونجاحه في تنشيط حركة التجارة بين دوله، حيث وصل حجم التجارة البينية لدول مجلس التعاون ما يقارب الـ 100 مليار دولار في سنة 2013 مرتفعة بمقدار يفوق السبعة أضعاف عما كانت عليه قبل التنفيذ الفعلي للاتحاد الجمركي. وبالرغم من هذا النمو الكبير في حركة التجارة البينية إلا أنها تمثل فقط 7.1 في المائة من اجمالي القيمة الكلية للتجارة الخارجية لدول المجلس.
وأوضح أن هناك أسبابا أبطأت تسارع نمو التجارة البينية بدول المجلس. منها طول أمد الاجراءات الجمركية عند منافذ الحدود وخاصة البرية منها، كما أن شبكة الموصلات البرية بين دول الخليج لاتزال ضعيفة البنية وقليلة الصيانة وتفتقر إلى خدمات الطريق.
وتحدث الدكتور العبدالقادر عن دور القطاع الخاص وضعف مساهمته في الناتج المحلي بكل دولة خليجية، وبقلة قدرته على إحلال الواردات وإنتاج سلع قابلة للمنافسة في السوق العالمي، وكذلك قيامه بدور متواضع في إنشاء مؤسسات وعلامات تجارية رائدة.
وأضاف بأن مجلس التعاون لم يتبنّ برنامجا خاصا فيما يتعلق بريادة الأعمال على مستوى المجلس، وإن كان قد تأسس في الرياض نوفمبر 2014 مجلس قادة رواد الأعمال لدول مجلس التعاون والذي ينتظر منه الكثير في ما يتعلق بتنشيط دور القطاع الخاص في دول المجلس.
ونوه بأن دول المجلس مازالت تمضي بخطىً بطيئة في موضوع تكامل أسواق المال، كما أن أسواق رأس المال الأولية التي تختص بالإصدار والطرح الأولي للأسهم مازالت قليلة الترابط بين دول الخليج، إضافة إلى أن المساحة المتاحة لتملك الخليجيين في الاصدار الأولي مازالت قليلة.. مشيدا بجهود دولة قطر في تحقيق التكامل الاقتصادي والتي أعلنت مؤخرا السماح لمواطني المجلس بأن يُعاملوا نفس معاملة المواطن القطري في تملك الأسهم دون قيود ملكية، وكما رفعت نسبة تملك غير القطري من 25 بالمائة إلى 49 بالمائة من الأسهم المتداولة ببورصة قطر.
وشدد المحاضر على أهمية جودة البيانات وشموليتها بما ينعكس على جهود توحيد الأنظمة والممارسات والتشريعات والسياسات التي ستتبناها دول الخليج.
وأكد الدكتور العبد القادر ضرورة تحقيق تنسيق أكبر بين دول الخليج، وتوزيع المنافع بشكل ينصف الدول ذات الوزن أو الثقل الاقتصادي الأكبر ويزيد المنافع للدول الأقل وزنا وثقلا، وكذلك ينبغي توزيع مقرات مؤسسات وهيئات مجلس التعاون على مختلف الدول الأعضاء.