الدوحة – قطر
قال التحليل الاقتصادي لمجموعة بنك قطر الوطني QNB إن رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يحتمل أن يؤدي إلى حدوث تقلبات كبيرة في الأسواق المالية العالمية وارتفاع المخاطر بالنسبة للأسواق الناشئة.
ورأى التحليل الأسبوعي الصادر اليوم أنه إزاء التوقعات برفع بنك الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة هذا العام وإمكانية البدء بذلك في شهر سبتمبر المقبل، تبدو كل من تركيا والبرازيل وجنوب إفريقيا الأكثر تعرضاً للمخاطر وتتبعها في الترتيب كل من إندونيسيا والمكسيك والأرجنتين.
وكان تحليل QNB خلص الأسبوع الماضي في رده على تساؤل بشأن ما إذا كان يتعيّن على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يرفع أسعار الفائدة، إلى أن المستويات الحالية للبطالة ومعدلات التضخم في الولايات المتحدة تبرّر رفع أسعار الفائدة لمرة واحدة على الأقل، إن لم يكن مرتين، خلال هذا العام.
وفي تحديده للبلدان الأكثر عرضة لآثار رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، رأى أن ثلاثة مقاييس يجب أن تؤخذ في الاعتبار وهي، ميزان الحساب الجاري والدين الخارجي ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي استنادا إلى الآثار التي نجمت عن الأزمة المالية الآسيوية لعام 1997 ونوبة الغضب التي تفجرت في 2013 جرّاء تقليص برنامج التيسير الكميّ.
وقال إنه من بين أكبر 16 دولة من دول الاقتصادات الناشئة، تعتبر تركيا وجنوب إفريقيا والبرازيل هي الأكثر عرضة للخطر، في حين أن اندونيسيا والمكسيك والأرجنتين معرّضة هي أيضا للخطر ولكن بدرجة أقل.
وأعاد السبب الرئيسي الذي يجعل الاقتصادات الناشئة عرضة للمخاطر إلى اعتمادها الكبير على تدفقات رؤوس الأموال من الخارج فمع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، ينشأ خطر هروب رؤوس الأموال من دول الأسواق الناشئة إلى الولايات المتحدة للاستفادة من العوائد الأعلى نسبياً هناك.
ورأى أن هذا هو ما قاد إلى حدوث صدمة هروب رؤوس الأموال في منتصف عام 2013 – “نوبة الغضب ضد التقليص”، عندما أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أنه سيبدأ في تقليص برنامج التيسير الكميّ، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع حاد في عائدات سندات الولايات المتحدة والسندات العالمية.
واعتبر أن الدول الأكثر عرضة لهذا النوع من الصدمات هي تلك الأكثر اعتماداً على تدفقات رؤوس الأموال الداخلة إليها، ومن ثم فإن أحد المقاييس الرئيسية لتقييم قابلية الدولة للتعرض لهذه المخاطر هو ميزان الحساب الجاري. فالدولة التي لديها عجز كبير في الحساب الجاري هي دولة تعتمد بصفة أساسية على تدفقات رؤوس الأموال لتمويل العجز.
وذكر أن الدول التي يتوقع أن يكون لديها أكبر عجز في الحساب الجاري في عام 2015 هي تركيا (4,9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وجنوب إفريقيا (4,6 في المائة) والبرازيل (4,1 في المائة)، أما الدول الأخرى المعرضة للمخاطر فهي تلك التي لديها عجز في الحساب الجاري يتراوح ما بين 2,6 في المائة و1,3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ولفت تحليل QNB إلى أن المقياس الثاني لقياس مدى التأثر هو الديون الخارجية التي عادةً ما تقوّم بالدولار الأمريكي، مرجحا أن تزيد قيمة الدولار مع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وتدفق رؤوس الأموال صوب الولايات المتحدة وهو ما سيزيد من قيمة الدين بالدولار الأمريكي وسيزيد أيضاً من عبء خدمة هذا الدين مع ارتفاع قيمة المدفوعات بالعملة المحلية.
وأضاف أنه لذلك ستواجه البلدان التي لديها مستويات عالية من الديون الخارجية صعوبة في الوفاء بالتزاماتها، وسيشكل الدين المقوّم بالدولار عبئاً متزايداً على الاقتصاد، كما أن ارتفاع مستويات الديون الخارجية في بلد ما سيزيد من صورة المخاطر في أذهان المستثمرين، مما قد يؤدي إلى زيادة خطر التوقف المفاجئ لتدفقات رأس المال للداخل.
ونبه إلى أن متوسط مستوى الدين الخارجي بين الاقتصادات الناشئة التي تم اختيارها يبلغ 31 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تبرز مجدداً تركيا وجنوب إفريقيا بمستويات مرتفعة نسبياً من الديون الخارجية (50 في المائة و41 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي)، كما أن لدى كل من إندونيسيا (34 في المائة) والمكسيك (33 في المائة) أيضاً مستويات عالية نسبياً من الديون الخارجية.
أما المقياس الأخير لهشاشة دولة ما وقابليتها للتعرض للمخاطر فهو نمو الناتج المحلي الإجمالي، فالنمو الكبير يزيد من العوائد المتوقعة للمستثمرين ويزيد من جاذبية البلد للاستثمارات والعكس صحيح، فضعف النمو يدفع المستثمرين إلى سحب رؤوس الأموال ويزيد من مخاطر التوقف المفاجئ للتدفقات الرأسمالية.
وأشار إلى أن الاقتصاد البرازيلي يواجه حاليا صعوبات بخصوص نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي يُتوقع أن يتقلص بنسبة 1,3 في المائة في عام 2015 بسبب انخفاض أسعار السلع والرفع المتواصل لأسعار الفائدة من قبل البنك المركزي لمواجهة ارتفاع التضخم.
واعتبر أنه لهذا السبب وبالنظر للعجز الكبير الذي يشهده الحساب الجاري في البرازيل، فإن الأخيرة تواجه نفس درجة قابلية التعرض للمخاطر كتركيا وجنوب إفريقيا، ومن المتوقع أن يبلغ النمو في تركيا حوالي 3,0 في المائة في عام 2015، وهو معدل ضعيف إلى حد ما وغير كاف للتغلب على المخاطر الخارجية التي تواجه البلد.
وبين أن البلدان التي تواجه المخاطر تشهد معدلات متباينة نسبياً لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، فمن المنتظر أن يكون النمو في الأرجنتين صفرا في عام 2015 حيث إن البلد يكافح للتعافي من عبء تركة الديون، فضعف النمو هذا إلى جانب عجز الحساب الجاري (1,5 في المائة) والدين الخارجي المعتدل (27 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) يجعل البلد معرضاً للمخاطر في حال تم رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
وتوقع أن تنمو إندونيسيا بوتيرة أسرع بنسبة 5,0 في المائة، وهو ما من شأنه أن يجذب بعض رؤوس الأموال رغم المخاطر الخارجية، بينما تواجه المكسيك مخاطر خارجية مشابهة لإندونيسيا ولكن مع نمو أقل للناتج المحلي الإجمالي (2,6 في المائة في عام 2015).